الصحافة

هل تتحوَّل الدراجات النارية إلى أدوات للتشريع؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

من الروشة إلى المجلس النيابي مروراً بكلمة الأمين العام لحزب االله نعيم قاسم في الذكرى الأولى لاغتيال الأمينين العامين السابقين لحزب االله، مشهد سياسي واحد يتوالى فصولاً منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار في 23 نوفمبر المنصرم الذي قضى بحصرية السلاح بيد الدولة. تشبه المجاهرة الوقحة التي حصلت في  25 أيلول الجاري، سواء في تحدي القرار الإداري للحكومة وممارسة كل أنواع الشغب والتعبئة المذهبية أو في التعبير عن رفض تسليم السلاح للدولة ما يذهب إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في تهميش دور الأكثرية النيابية وحقها في اقتراح تعديل قانون الإنتخابات النيابية لجهة إشراك المغتربين في الإقتراع لكامل أعضاء المجلس النيابي. 

لا شيء يبرر ما حصل في رأس بيروت إنطلاقاً من الروشة، كما لا يعبّر ما يحصل في المجلس النيابي عن أي سلوك ديمقراطي، في الواقعتين المستمرتين تجاوز للقانون والدستور وإن بأشكال مختلفة. في واقعة الروشة يبقى تصريح وزير الداخلية أحمد الحجار، وإن أتى متأخراَ، بأن هناك اجراءات قضائية وإدارية لمخالفة التعميم والترخيص ستتابع للوصول الى النهاية قيد المعاينة، إذ لا يكفي القول أن ما حصل هو تجاوز للترخيص المعطى من وزارة الداخلية، وأن الأجهزة الأمنية وجدت نفسها أمام أعداد كبيرة من البشر ما جعل من المتعذّر منعها. تدرك الأجهزة الأمنية تماماً قبل واقعة الروشة دقة الظروف الموضوعية وحدّة التوترات وخطوط التماس السياسي الموجودة،  وقد سبق أن خبرتها في وسط العاصمة ومنطقة الطيونة والأشرفية وفي رأس بيروت وسواها كذلك. إن أبسط قواعد الأمن الإستباقي التي تقضي بمعاينة المؤشرات الميدانية واتّخاذ الإجراءات الملائمة كانت كافية للحؤول دون ما حصل.

أنَ موجة الإستنكار للإستباحة الأمنية الفاجرة التي عبّر عنها المواطنون المسالمون ليس في محيط الروشة بل في كل لبنان، لا يعقل تفسيرها بأنها إلقاء لتبعات الشارع على حماة الشرعية، بل يجب أن تؤخذ من قبيل تأكيد المواطنين على حماة الشرعية أن يكونوا على قدر الآمال المعقودة عليهم، فالتصادم حصل في أكثر من مكان، كما صال وجال مطلقو الشعارات المذهبية والمتطاولون على السلم الأهلي في أكثر من محلة، وإن ما حال دون تفاقم التصادم هو وعي سكان المدينة والتزامهم القانون وثقتهم بأن هناك أجهزة أمنية وقضاء عادل مولجان بحمايتهم.
إنّ من بديهيات اللبنانيين الذين لم يراهنوا يوماً إلا على الشرعية إن للجيش وطناً يصونه ورئيساً يرعاه وقائداً يسهر عليه وشعباً يحبه، أياً يكن هذا الرئيس أو ذلك القائد، ولكن ما يطمئنهم هو أن يتم الإقتصاص من المتطاولين على السلم الأهلي والوحدة الوطنية وليس التعامل معهم وكأنهم الرأي الآخر أو جزءاً من تعددية ثقافية ينبغي تقبّل ارتكاباتها. إنّ ما حصل يتجاوز بكثير إلقاء المسؤولية على جمعية تقدمت بطلب ترخيص لإحياء ذكرى اغتيال الأمينين العامين السابقين لحزب االله ولم تلتزم بمضمونه مما قد يستوجب سحب العلم والخبر الممنوح لها. إنّ القوات المسلحة تخضع لسلطة مجلس الوزراء الذي أُنيطت به السلطة الإجرائية والذي يمارس بموجب المادة 65 من  الدستور صلاحية السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء، مدين للبنانيين بإجراء تحقيق شفاف يحدّد المسؤوليات والتبعات. إن اعتبار الإجراءات المتخذة في الروشة أداءً مثالياً يعني أن اللبنانيين معرضون لتكرار ما جرى في الروشة في مناسبات قادمة وما أكثرها. 

أما في وقائع ما يجري في المجلس النيابي فينسحب الإشتباك السياسي حول حصرية السلاح على جلسات مناقشة إقتراح قانون معجل مكرر لتعديل المادة 112 من قانون الإنتخابات النيابية الرامي  لإعطاء المغتربين الحق بالإقتراع للنواب الــــ 128 في الخارج،  كما حصل في دورتيّ الإنتخاب السابقتين في العامين 2018 و2022  وليس فقط لستة نواب لصالح الإغتراب. يرفض الرئيس نبيه بري إدراج إقتراح القانون على جدول الأعمال الذي يبدو من المؤكد أن الأكثرية النيابية تجمع عليه كإلتزام بديهي بالمادة 7 من الدستور التي تنص على المساواة بالحقوق المدنية والسياسية بين اللبنانيين. ويستمر هذا الإصرار بالرغم من رفع الجلسة بعد إنسحاب النواب من الجلسة التشريعية ومن اللجان المشتركة احتجاجاً على العبث الذي تدار به جلسات التشريع من قبل رئاسة المجلس. 

لكن فداحة الإرتكاب التشريعي تكمن في الإعتداء الصارخ على حرية اللبنانيين في إنتاج السلطة واختيار من يمثلهم . إن نظرة سريعة إلى الأرقام المستندة إلى مصادر عدّة تشير إلى أن عدد اللبنانيين المغتربين المسجّلين على لوائح الشطب الإنتخابيّة يتراوح ما بين 1.5 و 1.7 مليون لبنانية ولبناني (هذا الرقم يمكن استنتاجه من عدد الوافدين من المغتربين إلى لبنان في العام 2022 ، وهذا يعني أن حوالى 37 % من الناخبين اللبنانيين يعيشون خارج لبنان. كذلك ووفقاً للدولية للمعلومات فإنّ أكثر من 50 % من المغتربين اقترعوا في الإنتخابات السابقة للمجموعات والأحزاب التي أيّدت ثورة 17 تشرين، مقابل أقل من 20% من المقيمين، وهذا ما يشير إلى حجم التحوّل الذي يمكن أن تحدثه مشاركة المغتربين في الإنتخابات وحجم القلق الذي يذهب برئاسة المجلس لتعطيل جلسة التشريع أو لتأجيل الإنتخابات.

يستكمل السلوك التشريعي في البرلمان اللبناني حيال تجاهل رئاسة المجلس لإقتراح الأكثرية النيابية سلوك حزب االله في التعامل مع حصرية السلاح والذي عبّرت عنه الإنتهاكات والإعتداءات على الأملاك العامة وحرية المواطنين في الأمن والتنقل خلال واقعة الروشة. إنّ  أوجه الشبه بين واقعة الروشة ووقائع ما يجري في المجلس النيابي هو ديكتاتورية شعبوية لا تحترم القانون ولا الدستور، أما الفارق الوحيد فهو في عدم استخدام الدراجات النارية والرايات الحزبية وعلم إيران في باحات المجلس النيابي وتحت قبته. فهل تتحوّل  الدراجات النارية إلى أدوات للتشريع في الجلسات المقبلة؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا